responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 498
النَّاسِ فِي كُلِّ مَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ وَهُدىً أَيْ لِلْقُلُوبِ وَرَحْمَةً أَيْ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وكما جعل سبحانه الْقُرْآنَ حَيَاةً لِلْقُلُوبِ الْمَيِّتَةِ بِكُفْرِهَا، كَذَلِكَ يُحْيِي الأرض بعد موتها بما أنزله عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أَيْ يَفْهَمُونَ الْكَلَامَ ومعناه.

[سورة النحل (16) : الآيات 66 الى 67]
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْأَنْعامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَعِبْرَةً أَيْ لَآيَةً وَدَلَالَةً عَلَى حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ أفردها هاهنا عَوْدًا عَلَى مَعْنَى النِّعَمِ، أَوِ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْأَنْعَامَ حَيَوَانَاتٌ أَيْ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بَطْنِ هَذَا الْحَيَوَانِ، وَفِي الْآيَةِ الأخرى مما في بطونها، وَيَجُوزُ هَذَا وَهَذَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ [الْمُدَّثِّرِ: 54- 55] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ [النَّمْلِ: 35- 36] أَيِ الْمَالُ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً أي يتخلص اللبن بياضه وطعمه وحلاوته، ما بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ، فَيَسْرِي كُلٌّ إِلَى مَوْطِنِهِ إِذَا نَضِجَ الْغِذَاءُ فِي معدته، فيصرف مِنْهُ دَمٌ إِلَى الْعُرُوقِ، وَلَبَنٌ إِلَى الضَّرْعِ، وَبَوْلٌ إِلَى الْمَثَانَةِ، وَرَوْثٌ إِلَى الْمَخْرَجِ، وَكُلٌّ مِنْهَا لَا يَشُوبُ الْآخَرَ وَلَا يُمَازِجُهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ أَيْ لَا يَغَصُّ بِهِ أَحَدٌ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّبَنَ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ شَرَابًا لِلنَّاسِ سَائِغًا ثَنَّى بِذِكْرِ مَا يَتَّخِذُهُ النَّاسُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ، وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً دَلَّ عَلَى إِبَاحَتِهِ شَرْعًا قَبْلَ تَحْرِيمِهِ، وَدَلَّ عَلَى التسوية بين المسكر المتخذ من النخل والمتخذ من العنب، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْعَسَلِ، كَمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ: السَّكَرُ حَرَامُهُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ حَلَالُهُ، يَعْنِي مَا يَبِسَ مِنْهُمَا مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ، وَمَا عُمِلَ مِنْهُمَا مِنْ طِلَاءٍ وَهُوَ الدِّبْسُ وَخَلٍّ وَنَبِيذٍ، حَلَالٌ يُشْرَبُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ كَمَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ نَاسَبَ ذِكْرُ الْعَقْلِ هَاهُنَا فَإِنَّهُ أَشْرَفُ مَا فِي الْإِنْسَانِ وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَشْرِبَةَ الْمُسْكِرَةَ صِيَانَةً لِعُقُولِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ

نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست